أنظر إلى نفسي في المرآة بينما أنا في مهمة وضع أحمر الشفاه وبعضاً من الماسكارا بشكل غير دقيق ينم عن عجلة… فأنا أستعد لقضاء إجازة نهاية الأسبوع مع إحدى الصديقات اللتي لم أرها منذ مدة طويلة تكاد تبلغ الحول أو اكثر…فقد انشغلت كلانا بمجريات الدراسة في الغربة.

أقنع نفسي بأني وضعت ما يكفي من مساحيق التجميل حتى لا أتاخر أكثر مما ينبغي…أفتح أدراج تسريحتي سريعاً …واحداً تلو الآخر محاولة البحث عن أياً من حلي الزينة… لعلي أجد أسوارة… قرط… أو خاتم… ولكني أصفع الأدراج بشِدة عندما أتذكر أنني تركت حليي للغبار بين زوايا الأدراج هناك حيث تقطن عائلتي… حيث الوطن… أدرك أنني لا أملك أياً من الحلي هنا في بلد الغربة.

 قبل أن تطأ قدماي مطار جدة الدولي …تراني أخلع أقراط الذهب اللتي اعتدت أن اضعهما ملأً للثقبين بشحمة أذني … أخلعهما بحجة أن نقطة التفتيش تجبرني على ذلك لطالما كانت القطع المعدنية محلاً للشك …مرور الوقت في بلد الابتعاث كافياً لتلك الثقبين بالإنسداد حتى أعود لثقبهما من جديد حينما أرغب بتزيين شحمة أذني.

اعتدت أن أخلع ساعة معصمي قبل دخولي المطار … فخلعها ولبسها ثلاث إلى أربع مرات في الرحلة الواحدة يسرق مني الوقت بدلاً من أن يدلني عليه .. كانت الساعة دليلاً لا يفارق معصمي أبداً… تلاشى إحساسي بالفقدان اللذي كان يلف معصمي حينما أنسى ارتداء الساعة …ذلك الإحساس أنشغل هو ايضا منذ زمن دخولي في معمعة الابتعاث … فلقد اكتفيت بالنظر إلى ساعة الجوال و الساعات الجدارية إن وجدت.

صوت شنشنة أساور الذهب اللتي اعتدت إن أزين بها معصمي الأيمن تلاش هو ايضا… فمعصمي اليمين بات يقلد اليسار تماماً…والاثنان فضلا ان يكونا صفرا.

 

 

الإنخراط في معمعة الابتعاث و تمثيل دور الخادمة والطالبة والطباخ والسائق وعامل محطة الوقود في آن واحد أخذ مني كل وقتي… الوقت اللذي اعتاد أن يكون متاحا لي في وظيفة الفتاة المدلله في موطني هرب بعيداً …مصطحباً متسع الوقت اللذي استعنت به في إبداء زينتي.

 

 

 إن واحداً من التنازلات اللتي شرعت في تقديمها منذ بداية ابتعاثي على الصعيد الأنثوي هي ارتداء الزينة…فممارسة أنوثة المظهر كما ينبغي ،أو كما ابتغيتها تحديداً ، هي تنازل يتقدم من تلقاء نفسه… طوعا وليس كرها.

أنوثتي في الغربة تختلف تمام عن الأخرى في الوطن… أو بالأحرى …هناك حالة انفصام أنثوي تحدث للغالبية العظمى من الإناث المبتعثات بشكل مؤقت حين تواجدهن في بلد الابتعاث … وهي ليست فقط على صعيد المظهر بل على صعيد المسؤوليات كذلك…فهناك مهام تتطلب الجانب الرجولي من كل فتاة … مهام كرمي النفايات, التبضع للبيت, حمل الصناديق, غسل السيارة, جر الحقائب, وغيرها من المهام اللتي تتطلب المجهود العضلي.

ممارسة الأنوثة لمً يعد لها الأولوية في حضرة الغربة… فالاستفادة من فترة الابتعاث تتطلب حتما ترتيب الأولويات…وعلى رأس تلك الأولويات هي الدرجة العلمية اللتي أتيت من أجلها.

الوقت الذي يمضي هنا لن يعود ابداً… وجل ما سأتذكره حين عودتي للوطن هو إنجازاتي اللتي ستضيف القيمة لنفسي… وليس القرط او السلسال اللذي ارتديه يوماً ما.  فالحمدلله أنني باقية على مهارات وضع مساحيق التجميل حتى اللحظة.